نوارة نجم تكتب: اسمه الاحتلال العثماني

نوارة نجم تكتب: اسمه الاحتلال العثماني

ربما هناك مواضيع أكثر أهمية، أو سخونة، أو حيوية من موضوع المقال، أو من الاهتمام بأردوغان وتصريحاته. ربما هناك أحداث "تحرق الدم" أكثر من حديث أردوغان عن وراثته للخلافة العثمانية. وقبل أن تعظني، ها أنا أقول لك، هذا المقال "مش مهم" ما تقراش.
استبينا؟
واستبينا كلمة يونانية، تعني "اتفقنا". والحقيقة إنني لا أرى جدية في التحالف غير المفهوم مع اليونان وقبرص، ولا أعلم سببا له سوى الغيظ من أردوغان.... وأنا أيضا مغتاظة من أردوغان.
حالا، أمنع نفسي من كتابة بعض السباب فيما يخص شخص أردوغان الجليل.
ادعت قناة المحور المصرية أن أردوغان قال للسيسي لا يحق لك الغضب من تدخلنا في مصر لأننا أحفاد العثمانيين، والواقع أن الترجمة لم تكن أمينة بالمرة، الرجل قال نصا: "لا يحق لنا أن نقول ما شأننا بالدول المحيطة، فعلينا واجب التدخل فيما يحدث من ظلم في سوريا وفلسطين ومصر، لأننا ورثة الخلافة العثمانية، وهذه مسئوليتنا التاريخية". وباعتبار الحقيقة، فإن ما قاله أردوغان أسوأ بكثير من الترجمة المزيفة التي ادعتها قناة المحور، ولم يبق إلا أن يقول لنا أردوغان: أنتم عبيد إحساناتنا. كما قال الخديو لعرابي.
وأنا مغتاظة... مغتاظة جدا. ليس من أردوغان فحسب، ولكن من هؤلاء العبيد بحق، الذين يتهمون الشعب المصري بالعبودية، لأنه يصبر على مالا يطاق لحكمة في نفسه، أهمها الحفاظ على الدولة من الانهيار، وفي ذات الوقت لا يمانعون من أن يتدخل شخص، بصفاقة، وحقارة، واستعلاء، في شئونهم.
كل حكم مر على مصر، كل احتلال مر على مصر، ترك أثرا، بالسلب والإيجاب، حتى الاحتلال الإنجليزي ترك لنا محطة السكة الحديد، فماذا ترك العثمانيون سوى تراث من التخلف؟
الأمر لا يتعلق بحق دول العالم في "التعليق" أو "التعقيب" واتخاذ بعض الإجراءات والتحركات الدبلوماسية ضد ما يحدث في دول أخرى، بموجب أن العالم أصبح قرية صغيرة، وأن الدول مصالحها أصبحت أكثر ارتباطا، وأن جميع الدول أعضاء في الأمم المتحدة، وقد وقعوا على اتفاقات وقبلوا الرضوخ لقوانين معينة، تحتم على الأعضاء مراجعة أي دولة تخل بهذه الاتفاقات والقوانين. يحق لتركيا، كما يحق لمصر والسنغال وهضبة التبت، أن تصدر تصريحا، أو تعقيبا، أو تتخذ موقفا دبلوماسيا، فيما يخص شأن دولة أخرى، إذا ما ارتأت أن ما تفعله هذه الدولة يضر بمصالحها، أو يخل بقوانين الأمم المتحدة، أو حتى لتحقق شعبية داخلية. لكن لا يحق لأي دولة، أيا كانت، أن تعقب أو تصرح ضد دولة، لأن السياسة الداخلية لهذه الدولة، أجهضت أحلامها الاستعمارية! لا وإيه؟ وسي الأفندي قاعد قدام مسلسل حريم السلطان وفاكر نفسه الخليفة العثماني! هويام أكلت دماغ الرجالة يا جدعان.
لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يقبل أي مواطن، هذا التدخل بهذه الصيغة. وبهذه المناسبة، يجب التذكير بأن الرئيس الأمريكي باراك أوباما، كان قد علق على اعتقال النشطاء المصريين وطالب بالإفراج عنهم، وسمى بالتحديد المهندس أحمد ماهر، القيادي بحركة 6 أبريل، وبالرغم من الصيغة التي استخدمها أوباما لم تخل بالعرف والقانون الدولي المذكور أعلاه، إلا أن حركة 6 أبريل، أصدرت بيانا شديد اللهجة، تحذر فيه الرئيس الأمريكي من التدخل في الشأن الداخلي المصري، حتى وإن طالب بالأفراج عن أعضائها. ليه؟ لأن اللي عنده دم أحسن من اللي عنده تنظيم دولي.
لم أكن أتوقع أبدا.. أبدا.. أبدا، أن يدافع مصري عن هذا المتعجرف الصلف المهفوف. ثم ما هي الصيغة التي يدافع بها أعضاء جماعة الإخوان ومؤيديهم عن صفاقة أردوغان: وفيها إيه؟  ده مسلم! أيوه احنا عايزين نرجع الخلافة العثمانية... أردوغان ده نهض ببلده، خلوا السيسي  يعمل نص اللي عمله!
السيسي يعمل نص اللي عمله؟ طب ومرسي ما عملش تمن اللي عمله ليه؟ أم إنكم تريدون جبر ما كسره مرسي بتدخل أحد أعضاء التنظيم الدولي في الشأن المصري من منطلق إنه الخليفة العثماني، يطلق غازاته من الباب العالي؟ كونه أنجز لبلده  - وهذا أمر خلافي نظرا للمظالم الاجتماعية التي تقع على الطبقة العاملة في تركيا – لا يعني أن نتمنى أن يأتي لاحتلالنا!
وكونكم تعيشون خارج التاريخ وترغبون في إحياء ما قد انتهت صلاحيته شأن، وأن تجهلوا التاريخ الذي تعيشون فيه شأن آخر.
بداية: اسمه الاحتلال العثماني، لأن الاحتلال يكون حكما أجنبيا بغير رضا أصحاب البلاد. ولم يرض المصريون يوما، منذ دخل سليم الأول مصر، وحتى عفا الله عنا من هذا الحكم المذموم، عن الحكم العثماني. وكان هناك عدة محاولات مصرية للاستقلال عن الحكم العثماني عبر اللجوء إلى أمراء المماليك، وهم من هم، ولهم من الذكريات المرة في العقل الجمعي المصري ما لهم، ومع ذلك، كان المصريون يفضلون حكم المماليك الغاشم على حكم الباب العالي الذي كان يغير والي مصر كل عام أو عامين على الأكثر، من أشهر تلك المحاولات، محاولة "أحمد بيك" الملقب بالخائن، والذي تم قطع  رأسه في عاصمة الخلافة العثمانية أثناء حكم سليمان القانوني، ومحاولة علي بيك، الذي عمد إلى إرساء العدل، وتخفيف الضرائب والمكوس عن المصريين، حتى سقط بخيانة أحد قادته وهو أبو الدهب الذي تحالف سرا مع السلطان العثماني للإيقاع به. وأخيرا، تمكن محمد علي من تحقيق شبه استقلال لمصر، مع الاحتفاظ بالتبعية الإسمية للخلافة العثمانية، بعدها كانت مصر الخديوية، ثم الملكية.
يجب التذكير هنا، إن الخلافة العثمانية سقطت بما يسميه بعض الأتراك "خيانة العرب"، وهو تحالف العرب مع الإنجليز للخلاص من الخلافة العثمانية، وهي سابقة لم يعرفها العرب تحت أي حكم لأي خلافة، مهما كان ظالما، والحكم الإسلامي يزخر بالمظالم، حدث ولا حرج، إلا أن الحكم العثماني تميز بالظلم والتخريف في آن واحد، ما دفع العرب للاستعداد إلى التحالف مع الشيطان للخلاص منه.
لم تنعم مصر باستقرار ولو ليوم واحد في ظل الاحتلال العثماني. انتشرت الأوبئة والأمراض، ومات عشرات الآلاف من المرضى، من جراء الإهمال، وتجريف "الولاية"، والصراع على السلطة بين المماليك من جهة، والعثمانيين من جهة أخرى. لم يترك الاحتلال العثماني إنجازا يذكر لمصر، اللهم إلا شوية البنات البيض الحلوين، اللاتي ولدن من التزاوج التركي المصري.
لم يحب المصريون، ولو ليوم واحد، الاحتلال العثماني، وأطلقوا على خاير بيك، المملوك الذي ساعد سليم الأول في ضم الشام ومصر للحكم العثماني، اسم "خاين بيك". لم تبذل "الخلافة" العثمانية التي يباهي بها أردوغان ودلاديله هنا في مصر، جهدا يذكر لتنمية مصر، أو حتى الدفاع عنها ضد الغزو الفرنسي، اللهم إلا تحالفها الفاشل مع الإنجليز للخلاص من الفرنسيس، ولم تتحرك الدولة العثمانية ضد الاحتلال الفرنسي لمصر، والذي كان يدعي أنه أتى ليخضع مصر للسلطان العثماني، إلا حين اكتشفت أن نابليون كان يخدعها، وقام بتغيير نظام الدواوين التركي، ولولا المقاومة الشعبية الباسلة – بالحلل والسكاكين والمية المغلية - لما خرجت الحملة الفرنسية من مصر. لم تخل حقبة واحدة من الثورة الشعبية على الأوضاع المزرية، أشهرها الثورة على خورشيد باشا، والتي قادها السيد عمر مكرم، حيث أضرب المعلمون بالأزهر عن العمل، وأغلق الباعة والصناع حوانيتهم، وتجمعوا محاصرين قصر خورشيد باشا، "ساخطين صاخبين"، كما ذكر الجبرتي، مطالبين برحيل خورشيد باشا، وبعد أن رضخ الباب العالي، للمرة الأولى، إلى مطلب الشارع، قام الثوار، وعلى رأسهم السيد عمر مكرم، بتسليم السلطة لمحمد علي! طبق الأصل نفس الخيابة بتاعتنا. فقام محمد علي بتحديد إقامة السيد عمر مكرم، وقتل عدد من الثوار، وتعليقهم على باب زويلة.
كل حكم مر على مصر، كل احتلال مر على مصر، ترك أثرا، بالسلب والإيجاب، حتى الاحتلال الإنجليزي ترك لنا محطة السكة الحديد، فماذا ترك العثمانيون سوى تراث من التخلف؟
كل حكم مر على مصر، كل احتلال مر على مصر، ترك أثرا، بالسلب والإيجاب، حتى الاحتلال الإنجليزي ترك لنا محطة السكة الحديد، فماذا ترك العثمانيون سوى تراث من التخلف؟ وماذا تركوا للإسلام سوى غلق باب الاجتهاد، والنعرات الفتنوية والطائفية والمذهبية؟ وحين رغبوا في بناء دولتهم، جرفوا مصر والشام من الصناع والمهندسين والفنانين، وأعاروهم لاسطنبول ليبنوا لهم عاصمة، بل إن عثمان الأول، الملقب بعثمان الغازي، لم يكن ليؤسس لدولته لولا المقاتلين الهاربين من الغزو المغولي بالعراق، فلو أن لأحد أن يستثير النعرات والعرقيات، و"يعيّر" الآخر بفضله، لكان للعراقيين وأهل الشام ومصر أن يفعلوا ذلك مباهين بفضل مقاتليهم، وبنائيهم... إلا أنه عيب، إثارة هذه النعرات والعرقيات والمعايرات، عيب، وحديث قديم، ولا يعقل أن نظل نحقد على أتراك اليوم بسبب "الطُلبة" التي كان يفرضها السلطان العثماني على مصر منذ أكثر من خمسة قرون، لكن أيضا لا يعقل أن "يسيبوا" بهلول اسطنبول ينبح علينا بهذا الشكل المزعج والمعيب.
إنما إيه موضوع اليونان وقبرص هذا؟ مكايدة يعني؟ لا أذكر شيئا عن إضافات اليونان بالنسبة لمصر سوى "كيتي كاوتش".. طبعا جل الشباب لا يعملون من هي كيتي كاوتش، راقصة جميلة جدا، وبارعة، عارفين استعراض اسماعيل ياسين "العفو عند المقدرة"؟ ما تعرفوهوش، طيب ابحث عنه على اليوتيوب... هي دي بقى كيتي كاوتش.

تعليقات